الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة
.حكمة التعدد: 1- من رحمة الله بالإنسان وفضله عليه أن أباح له تعدد الزوجات، وقصره على أربع.فللرجل أن يجمع في عصمته في وقت واحد أكثر من واحدة، بشرط أن يكون قادرا على العدل بينهن في النفقة والمبيت كما تقدم.فإذا خاف الجور وعدم الوفاء بما عليه من تبعات حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة.بل إذا خاف الجور بعجزه عن القيام بحق المرأة الواحدة حرم عليه أن يتزوج حتى تتحق له القدرة على الزواج.وهذا التعدد ليس واجبا ولا مندوبا، وإنما هو أمر أباحه الإسلام، لأن ثمة مقتضيات عمرانية وضرورات إصلاحية لا يجمل بمشترع إغفالها، ولا ينبغي له التغاضي عنها.2- ذلك أن للاسلام رسالة إنسانية عليا كلف المسلمون أن ينهضوا بها، ويقوموا بتبليغها للناس.وهم لا يستطيعون النهوض بهذه الرسالة إلا إذا كانت لهم دولة قوية، قد توفر لها جميع مقومات الدولة: من الجندية، والعلم، والصناعة، والزراعة والتجارة، وغير ذلك من العناصر التي يتوقف عليها وجود الدولة وبقاؤها مرهوبة الجانب نافذة الكلمة قوية السلطان.ولا يتم ذلك إلا بكثرة الافراد، بحيث يوجد في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني عدد وفير من العاملين، ولهذا قيل: إنما العزة للكاثر.وسبيل هذه الكثرة إنما هو الزواج المبكر من جهة، والتعدد من جهة أخرى.ولقد أدركت الدول الحديثة قيمة الكثرة العددية وآثارها في الانتاج، وفي الحروب، وفي سعة النفوذ، فعملت على زيادة عدد السكان بتشجيع الزواج ومكافأة من كثر نسله من رعاياها لتضمن القوة والمنعة.ولقد فطن الرحالة الالماني بول اشميد الى الخصوبة في النسل لدى المسلمين، واعتبر ذلك عنصرا من عناصر قوتهم فقال في كتاب الإسلام قوة الغد الذي ظهر سنة 1936: أن مقومات القوى في الشرق الإسلامي، تنحصر في عوامل ثلاثة:أ- في قوة الإسلام كدين، وفي الاعتقاد به، وفي مثله، وفي تأخيه بين مختلفي الجنس، واللون، والثقافة.ب- وفي وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي الذي يمتد من المحيط الاطلسي، على حدود مراكش غربا إلى المحيط الهادي على حدود أندونيسيا شرقا.وتمثيل هذه المصادر العديدة لوحدة اقتصادية سليمة قوية ولاكتفاء ذاتي لا يدع المسلمين في حاجة مطلقا الى أوربا أو غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا.ج- وأخيرا أشار إلى العامل الثالث وهو: خصوبة النسل البشري لدى المسلمين، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة، ثم قال: فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتأخى المسلمون على وحدة العقيدة وتوحيد الله، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزايد عددهم، كان الخطر الإسلامي خطرا منذرا بفناء أوربا، وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله.ويقترح بول أشميد هذا، بعد أن فصل هذه العوامل الثلاثة، عن طريق الاحصاءات الرسمية، وعما يعرفه عن جوهر العقيدة الإسلامية، كما تبلورت في تاريخ المسلمين، وتاريخ ترابطهم وزحفهم لرد الاعتداء عليهم أن يتضامن الغرب المسيحي - شعوبا وحكومات - ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر، ولكن في أسلوب نافذ حاسم.3- والدولة صاحبة الرسالة، كثيرا ما تتعرض لأخطار الجهاد، فتفقد عددا كبيرا من الافراد، ولا بد من رعاية أرامل هؤلاء الذين استشهدوا ولا سبيل إلى حسن رعايتهن إلا بتزويجهن.كما أنه لا مندوحة عن تعويض من فقدوا، وإنما يكون ذلك بالاكثار من النسل، والتعدد من أسباب الكثرة.4- قد يكون عدد الاناث في شعب من الشعوب أكثر من عدد الذكور، كما يحدث عادة في أعقاب الحروب، بل تكاد تكون الزيادة في عدد الاناث مطردة في أكثر الأمم، حتى في أحوال السلم، نظرا لما يعانيه الرجال غالبا من الاضطلاع بالاعمال الشاقة التي تهبط بمستوى السن عند الرجال أكثر من الاناث.وهذه الزيادة توجب التعدد، وتفرض الاخذ به لكفالة العدد الزائد وإحصانه، وإلا اضطرون إلى الانحراف واقتراف الرذيلة، فيفسد المجتمع وتنحل أخلاقه، أو إلى أن يقضين حياتهن في ألم الحرمان وشقاء العزوبة، فيفقدن أعصابهن، وتضيع ثروة بشرية كان يمكن أن تكون قوة للامة، وثروة تضاف إلى مجموع ثرواتها.ولقد اضطرت بعض الدول التي زاد فيها عدد النساء على الرجال إلى إباحة التعدد، لأنها لم ترحلا أمثل منه مع مخالفته لما تعتقده، ومنافاته لما ألفته ودرجت عليه.قال الدكتور محمد يوسف موسى: أذكر أني وبعض اخواني المصريين دعينا عام 1948- ونحن في باريس - لحضور مؤتمر الشباب العالمي بمدينة ميونخ بألمانيا.وكان من نصيبي أن اشتركت أنا وزميل لي من المصريين في الحلقة التي كانت تبحث مشكلة زيادة عدد النساء بألمانيا أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب، وتستعرض ما يمكن أن يكون حلا طيبا لها.وبعد استعراض سائر الحلول التي يعرفونها هناك ورفضها جميعا تقدمت وزميلي بالحل الطبيعي الوحيد، وهو إباحة تعدد الزوجات.فقوبل هذا الرأي أولا بشئ من الدهشة والاشمئزاز، ولكنه بعد بحثه بحثا عادلا عميقا رأى المؤتمرون أنه لا حل غيره، وكانت النتيجة اعتباره توصية من التوصيات التي أقرها المؤتمر.وكان مما سرني كثيرا بعد عودتي الى الوطن عام 1949 ما عرفته من أن بعض الصحف المصرية نشرت أن أهالي مدينة بون: عاصمة ألمانيا الغربية طلبوا أن ينص في الدستور على إباحة تعدد الزوجات.5- ثم إن استعداد الرجل للتناسل أكثر من استعداد المرأة، فهو مهيأ للعملية الجنسية منذ البلوغ إلى سن متأخرة.بينما المرأة لا تتهيأ لذلك مدة الحيض وهو دورة شهرية قد تصل إلى عشرة أيام ولا تتهيأ كذلك مدة النفاس والولادة وقد تصل هذه المدة الى أربعين يوما يضاف الى ذلك ظروف الحمل والرضاع. واستعداد المرأة للولادة ينتهي بين الخامسة والأربعين والخمسين، بينما يستطيع الرجل الاخصاب إلى ما بعد الستين، ولا بد من رعاية مثل هذه الحالات ووضع الحلول السليمة لها.فإذا كانت الزوجة في هذه الحالة عاجزة عن أداء الوظيفة الزوجية، فماذا يصنع الرجل أثناء هذه الفترة؟ وهل الافضل له أن يضم إليه حليلة تعف نفسه وتحصن فرجه يتخذ خليلة لا تربطه بها رابطة إلا الرابطة التي تربط الحيوانات بعضها ببعص؟! مع ملاحظة أن الإسلام يحرم الزنا أشد تحريم: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.ويقرر لمقترفه عقوبة رادعة: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.6- وقد تكون الزوجة عقيما لا تلد، أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه، وهي مع ذلك راغبة في استمرار الحياة الزوجية، والزوج راغب في إنجاب الأولاد، وفي الزوجة التي تدبر شؤون بيته.فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الاليم، فيصطحب هذه العقيم دون أو يولد له، وهذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده؟!.أم الخير في أن يفارقها وهي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟! أم يوفق بين رغبتها ورغبته، فيتزوج بأخرى ويبقي عليها فتلتقي مصلحته ومصحلتها معا؟! أعتقد أن الحل الأخير هو أهدى الحلول وأحقها بالقبول، ولا يسع صاحب ضمير حي وعاطفة نبيلة إلا أن يتقبله ويرضى به.7- وقد يوجد عند بعض الرجال - بحكم طبيعتهم النفسية والبدنية - رغبة جنسية جامحة، إذ ربما لا تشبعه امرأة واحدة، ولا سيما في بعض المناطق الحارة.فبدلا من أن يتخذ خليلة تفسد عليه أخلاقه، أبيح له أن يشبع غريزته عن طريق حلال مشروع.8- هذه بعض الاسباب الخاصة والعامة التي لاحظها الإسلام، وهو يشرع لا لجيل خاص من الناس، ولا لزمن معين محدود، وإنما يشرع للناس جميعا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمراعاة الزمان والمكان لها اعتبارها، وتقدير ظروف الافراد لابد وأن يحسب حسابها.والحرص على مصالح الأمة - بتكثير سوادها ليكونوا عدتها في الحرب والسلم - من أهم الاهداف التي يستهدفها المشرع.9- ولقد كان لهذا التشريع والاخذ به في العالم الإسلامي فضل كبير في بقائه نقيا بعيدا عن الرذائل الاجتماعية والنقائص الخلقية التي فشت في المجتمعات التي لا تؤمن بالتعدد ولا تعترف به.فقد لوحظ في المجتمعات التي تحرم التعدد:1- شيوع الفسق، وانتشار الفجور، حتى زاد عدد البغايا عن عدد المتزوجات في بعض الجهات.2- وتبع ذلك كثرة المواليد من السفاح إذ بلغت نسبتها في بعض الجهات 50 % من مجموع المواليد هناك.وفي الولايات المتحدة يولد في كل عام أكثر من مائتي ألف ولادة غير شرعية!!! نشرت جريدة الشعب في شهر أغسطس سنة 1959 ما يلي: الرقم المذهل للاطفال غير الشرعيين الذي ولدوا في الولايات التحدة، أثار من جديد الجدل حول انحطاط مستوى الاخلاق في أمريكا، والحمل الذي يقع على عاتق دافع الضرائب الأمريكي - نتيجة لتحمله نفقات هذا الجيش من الاطفال - ولا غرو فقد تعدى عدد هؤلاء المواليد المائتي ألف سنويا.ولمواجهة هذه المشكلة تدرس الجهات الرسمية في بعض المجتمعات إمكانية تعقيم النساء اللاتي يحدن عن التعاليم الدينية.ويتركز الجدل في أماكن أخرى، حول المقترحات التي تطالب بتخفيض الاعانات للامهات اللاتي يضعن أكثر من مولود واحد غير شرعي.وتقول وزارات الصحة، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، في الولايات المتحدة: أن دافعي الضرائب في أمريكا سوف يتحملون هذا العام مبلغ 210 مليون دولارا لتغطية نفقات الاطفال غير الشرعيين، وذلك بواقع 27 دولارا و29 سنتا شهريا لكل طفل.وتقول الاحصاءات الرسمية أن عدد هؤلاء الاطفال ارتفع من 87 ألفا و900 عام 1938 الى 201 ألف و700 عام 1957.كما تقدر وزارة الشؤون الاجتماعية عدد هؤلاء الاطفال في عام 1958- 205 ألف طفل...ولكن الخبراء يعتقدون أن الرقم الصحيح يتعدى هذا بكثير.وتدل الاحصاءات الاخيرة على أن معدل هذه الولادات غير الشرعية في كل ألف، قد زاد ثلاثة أضعاف - خلال الجيلين الاخيرين - مع زيادة تنذر بالخطر بين الفتيات المراهقات.ويعلن علماء علم الاجتماع حقيقة أخرى، وهي أن العلائلات المقتدرة تخفي عادة أن إحدى بناتها حملت بطريقة غير شرعية، وترسل الطفل بهدوء الى أسرة أخرى تتبناه. انتهى.3- وأثمرت هذه الاتصالات الخبيثة الأمراض البدنية والعقد النفسية والاضطرابات العصبية.4- وتسربت عوامل الضعف والانحلال إلى النفوس.5- وانحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوج وزوجته، واضطربت الحياة الزوجية وانفكت روابط الاسرة حتى لم تعد شيئا ذا قيمة.6- وضاع النسب الصحيح، حتى أن الزوج لا يستطيع الجزم بأن الاطفال الذين يقوم على تربيتهم هم من صلبه.فهذه المفاسد وغيرها كانت النتيجة الطبيعية لمخالفة الفطرة والانحراف عن تعاليم الله، وهي أقوى دليل وأبلغ حجة على أن وجهة الإسلام هي أسلم وجهة، وأن تشريعه هو أنسب تشريع لانسان يعيش على الأرض، وليس لملائكة يعيشون في السماء.ولنختم هذه الكلمة بالسؤال والجواب اللذين أوردهما الفونس اتيين دينيه حيث قال: هل في زوال تعدد الزوجات فائدة أخلاقية؟ ثم أجاب: إن هذا أمر مشكوك فيه، فالدعارة التي تندر في أكثر الاقطار الإسلامية سوف تتفشى فيها، وتنشر آثارها المخربة.وكذلك سوف يظهر في بلاد الإسلام داء لم تعرفه من قبل، هو عزوبة النساء التي تنتشر بآثارها المفسدة في البلاد المقصور فيها الزواج على واحدة، وقد ظهر ذلك فيها بنسبة مفزعة، وخاصة عقب فترات الحروب.
|